Social Icons

-

14‏/08‏/2013

الناصرية وموسم الهجرة الى استراليا/نعيم عبد مهلهل

وأنا أكتب هذا المقال تذكرت بعضاً من التفاصيل الأليمة والكارثية التي وثقها الصديق والمخرج العراقي الكبير ( هادي ماهود ) في فيلمهِ المُهم ( سندباديون ) والتي حلتْ ب ( 418 ) عراقياً ماتوا غرقا في المحيط بين اندونيسيا وأستراليا كانوا يبغون الهجرة هروبا عبر المحيط في مركب صغير لم يسع هذا العدد الكبير وتم اطلاق أسم ( تايتانك العراقية ) على ذلك المركب الذي ابتلعه البحر وصار راكبيه من العراقيين غذاء لأسماك القرش .

هذا الألم تعود رؤاه الآن في خوف أن تتكرر هذه المآساة الأنسانية ثانية عندما أخبرني أحد المعارف في محلتنا في الناصرية ( 360 كم ) جنوب بغداد : هذا الأسبوع من شارعنا ( شارع المكاصيص / النعمان ) سافر الى اندونيسيا ( 12 ) شابا لغرض الهجرة الى استراليا ، وعرفت أن مناطق اخرى في مركز المدينة دفعت بشباب كُثر لأحلام الهجرة وهم اليوم ينتظرون رحمة المُهربْ صاحب المركب وأشارته لبدء رحلة الخوف والمجهول وسط تلاطم موج المحيط الذي يصل ارتفاعه الى عشرات الامتار في قارب بدائي وصغير وفي رحلة تستغرق ايام تبدأ من جزيرة بالي وليس مع مسافري الأحلام الممزوجة بالخوف وحبوب دوار البحر.
هاجس الهجرة ( الهروب ) عاد ليستقر الآن برؤوس الشباب العراقي في ردة فعل ازاء ما يحدث عبرَ هاجسان يطغيان على المشهد العراقي ( الأمن والبطالة ) ولكل مسببه الغريب في بلد قفزت ميزانيته فوق المئة مليار دولار ولم يزل القلق والتوتر والمحاصصة والفساد والارهابي التكفيري يعبثون بحلم جعل العراق كما اطلقه راميسفيلد في سيناريو ( الغزو ) : سترون بغداد عبارة عن ناطحة سحاب واحدة تحيط فيها الحدائق.
موسم الهجرة الى استراليا لايحاكي في مادته وموضوعته العنوان المشابه في رواية الطيب صالح ( موسم الهجرة الى الشمال ) لأن الفكرتين مختلفتين بالرغم من أن الجهة مؤشرة هو أن الشرق يذهب الى الغرب . في الأولى تكون الهجرة قائمة على هاجس الامل بحياة آمنة وفيها العمل والعالم الجديد والهروب من الحرب التي صنعت الترمل في انوثة العراق ثم أتى الحصار ليصنع الجوع في بطون العراقيين ، وأتى اليوم قتلة التكفير واحفاد بن لادن والزرقاوي والذي يدعمهم ، ومعهم اصطف بقصد وبدونه الطائفيين واللصوص والمحاصصين واشباه السياسيين ودعاة تمذهب الأقاليم.
فيما رواية الطيب صالح هي لقاء ثقافة الشرق الذكوري بفحولته المشبعة باكتمان والقهر مع الانوثة الغربية المشبعة بالبحث عن الشهوة المستعرة خارج رتابة وبرودة المكان الغربي.
العدد اليومي المتزايد من الشباب الذي يحزم حقائبه ويتوجه الى اندونيسيا في ( تايتانك ) المحتملة يمثل جزء من اليأس والحماس وعدم تقدير الأمور في جيل كان أمله أن يغادر منطقة الحزن الذي ورثوه من اباءهم الذين عاشوا محنة الحرب والحصار والفقر لكنه يتسمر مع اسئلته وحيرته واغراءات روتانا وام بي سي وتقارير الموت اليومي في ضحايا مفخخات في العراق .اضافة الى تقليص فرص العمل والتعيين في ظل عدم اتساع رقعة البناء والاستثمار لاسباب يشرحها البرلمانيون والمحللون في كل يوم وبرتابة مكررة على شاشات ( البغدادية ، العراقية ، الشرقية ، السومرية ، البابلية ، العربية ، الموصلية ) .وبسبب هذه الاسطوانات المشروخة كان القرار الجماعي لشباب البلاد في الهجرة الى استراليا وغيرها من بلدان العالم الغربي وتلك ظاهرة اجتماعية خطيرة جدا على الدولة أن تنتبه لها وتقضي على مسبباتها !

حسين السومري